حجة السببية و المحرك الاول
رحلة في معرفة الاله
حجة السببية و المحرك الاول
==================================
من أول ما الإنسان وعى على نفسه وهو بيبص حواليه و بيسأل : ليه الحاجات بتحصل ؟ وليه أنا هنا ؟ وليه فيه عالم أصلا ؟
الأسئلة دي مش مجرد فضول، دي طبيعة بشرية. حتى الطفل الصغير لما يشوف حاجة تقع، (يسأل ليه وقعت) ؟
ولو قلتله عشان مفيش حاجة ساندتها هيسألك : (طب وليه مفيش حاجة ساندتها)
إحنا كبشر متبرمجين ندور على العلاقة بين الأشياء. لما تشوف حاجة بتتحرك، تفترض إن فيه حاجة تانية أثّرت عليها. لما تلاقي نتيجة، تدور على السبب
ده مش مجرد فضول، ده طبيعة عقلية عند البشر
والسؤال ده مش بس عند الطفل، ده نفس السؤال اللي شغل الفلاسفة والعلماء من آلاف السنين
وده اللي بيسموه الفلاسفة مبدأ السببية. المبدأ ده ببساطة بيقول :
كل ما يبدأ في الوجود، ليه سبب لوجوده.
========
لكن السؤال ده مش بيتوقف عند الأحداث الصغيرة. لما تمشي معاه خطوة خطوة، هتلاقي نفسك فجأة قدام أكبر سؤال ممكن :
ليه فيه كون أصلا بدل ما يكون مفيش ؟
هنا بقى بنخش جوه أعمق نقاش فلسفي :
هل ممكن السلسلة دي تمشي للأبد بدون بداية ؟
ولا لازم يكون فيه “أصل أول” بدأ كل حاجة من غير ما يكون ليه هو سبب ؟
الرحلة دي خلت الفلاسفة يتكلموا عن العِلّة الأولى (السبب الأول) والمحرّك الأول اللي بيحرك كل حاجة بس هو نفسه ما بيتحرّكش.
خلينا نبدأ من البداية خالص، ونفهم الموضوع كويس.
=====================================
(يعني إيه سببية ؟)
السببية (Causality)
هي العلاقة اللي بتربط السبب بالنتيجة.
لو حرّكت الكوباية، إيدك كانت السبب، وحركة الكوباية كانت النتيجة.
================
السببية لها شكلين :
سببية فيزيائية/طبيعية : زي إن النار بتحرق، والريح بتحرّك الورق.
سببية فلسفية/ميتافيزيقية : يعني نفكر في ليه أصلا فيه قانون طبيعي بيخلي النار تحرق ؟ وليه الكون فيه قوانين من الأساس ؟
الفرق بين الاتنين مهم جدا. العلم بيشرح إزاي الحاجات بتحصل، لكن الفلسفة بتسأل ليه الحاجات بتحصل وليه فيه قوانين بتحكمها أصلا .
================
(أرسطو والأنواع الأربعة من العلل)
أرسطو حب يحلل أي حاجة بتحصل ويشوفها من أربع زوايا، وسماها العلل الأربعة :
العِلّة المادية (Material Cause) :
دي المادة اللي الشيء مصنوع منها.
زي : التمثال مصنوع من رخام، فالسبب المادي = الرخام.
=====
العِلّة الصورية (Formal Cause) :
دي الفكرة أو التصميم اللي خلاه يبقى بالشكل ده.
التمثال واخد شكل إنسان، فالسبب الصوري = التصميم.
======
العِلّة الفاعلة (Efficient Cause) :
دي اللي نفّذت الفعل.
النحّات اللي نحت التمثال.
======
العِلّة الغائية (Final Cause) :
دي الغرض اللي عشانه الشيء اتعمل.
التمثال اتعمل عشان يكرّم بطل قومي.
====================
الفكر دي فرّقت بين الفلسفة اليونانية والعلوم الطبيعية
و ديه نصوص من كتابه للمراجع :
"إن كل شيء في الطبيعة لديه غاية نهائية أو هدف. الأشياء التي تحدث في الطبيعة لا تحدث بشكل عشوائي، بل تتبع ترتيبًا معينًا. هذا النظام في الطبيعة يدل على وجود غاية نهائية. الغاية النهائية للأشياء هي تحقيق أفضل نتيجة. كل شيء في الطبيعة يتحرك نحو غايته النهائية بشكل طبيعي. هذا يعني أن هناك كائنًا ذكيًا ينظم هذه الأشياء نحو غاياتها. هذا الكائن هو الله. الله هو العقل الأول الذي يعرف كل شيء ويدير كل شيء نحو غايته النهائية. الله هو الغاية النهائية لكل شيء في الكون."
الكتاب 12، الفصل 10
=======
"من الضروري أن يكون هناك محرك أول، غير متحرك، لأن كل ما هو متحرك يتطلب محركًا آخر. وإذا ذهبنا في سلسلة الأسباب إلى ما لا نهاية، فلن يكون هناك محرك أول، وبالتالي، لن يكون هناك حركة حالية. ولكن بما أن هناك حركة حالية، يجب أن يكون هناك محرك أول غير متحرك. هذا المحرك الأول يجب أن يكون شيئًا أزليًا، ولا يتغير، ولا يحتوي على مادة. لأنه إذا كان يحتوي على مادة، فإنه سيكون عرضة للتغيير، وإذا كان عرضة للتغيير، فإنه لن يكون أزليًا. ولذلك، فإن المحرك الأول يجب أن يكون جوهريًا وأزليًا وغير مادي. وبما أن الحركة في العالم هي حركة دائمة ودائمة، فإن المحرك الأول يجب أن يكون أبديًا. وهذا المحرك الأول، الذي يحرك كل شيء دون أن يتحرك، هو الله."
الكتاب 12 ، الفصول 6-7.
=======
"هناك أشياء في العالم تكون ممكنة الوجود أو عدم الوجود. هذه الأشياء التي يمكن أن توجد أو لا توجد تحتاج إلى شيء آخر يجعلها موجودة. ولكن إذا كانت كل الأشياء ممكنة، فلن يكون هناك شيء موجود في الواقع. ولذلك، يجب أن يكون هناك شيء ضروري الوجود، الذي لا يحتاج إلى شيء آخر ليجعله موجودًا. هذا الكائن الضروري الوجود يجب أن يكون شيئًا لا يتغير، ولا يتأثر بأي شيء آخر. وهذا الكائن هو الله. الله هو الكائن الضروري الذي يعتمد عليه كل شيء آخر. بدون الله، لن يكون هناك شيء موجود في العالم."
الكتاب 12، الفصل 6
===================================
الامثلة ديه كلها تقد تراجعها في كتابه في الجزء ده :
Metaphysics, 983a24-983b6
المهم هنا إن أرسطو ما كانش شايف السبب مجرد حاجة ميكانيكية. لأ، أي شيء ليه مادة، شكل، فاعل، وغاية. وده بيربط الفلسفة مش بس بالفيزياء، لكن بالمعنى والغرض.
=====================================
(مشكلة التسلسل السببي : هل له نهاية ولا لأ ؟)
دلوقتي لو بدأنا نسأل :
ليه حصل كذ ا؟ عشان كذا.
طب وكذا ده جه منين ؟ عشان كذا قبله.
طب واللي قبله ؟ عشان كذا قبله… وهكذا.
هل ممكن السلسلة دي تمشي للانهائية بدون ما يكون فيه بداية ؟
الفلاسفة اختلفوا :
فيه ناس زي برتراند راسل قالوا : ممكن الكون يكون موجود كده من غير سبب. العالم موجود وخلاص قال نصا :
من مناظرته مع الأب كوبلستون (1948) :
"إذا كان كل شيء يحتاج سببًا، فالله يحتاج سببًا! وإن قلتم: الله مستثنى، فلماذا لا يكون الكون مستثنى؟ الكون "واقع أولي" (brute fact) موجود بلا تفسير عبارة 'سبب الوجود' لا معنى لها خارج نطاق العلم"
Russell, B. Why I Am Not a Christian, pp. 152–153
=====
لكن كتير زي أرسطو و توما الأكويني قالوا : لأ، لازم السلسلة تقف عند حاجة أولى، لأن لو كل حلقة معتمدة على اللي قبلها بدون بداية، السلسلة كلها مش هتبدأ قالوا نصا :
ارسطو :
"كل حركة تستلزم محركًا، لكن سلسلة المحركات لا يمكن أن تمتد إلى ما لا نهاية. لذلك لا بد من وجود محرك أول غير متحرك، وهو علّة كل حركة دون أن يتحرك هذا المحرك هو الغاية والعلة الفاعلية للكون"
من كتابه الميتافيزيقا (الكتاب 12، الفصل 7)
Aristotle, Metaphysics, 1072a25-1073b1
=====
الاكويني :
"الطريقة الثالثة: الموجودات ممكنة الوجود (تظهر وتزول)، لكن لو كانت كل الموجودات ممكنة، لكان العدم سائدًا. لذا يجب وجود كائن واجب الوجود بذاته (God) الطريقة الأولى: كل متحرك يحتاج محركًا، ولا بد من محرك أول غير متحرك"
من كتابه الخلاصة اللاهوتية (الجزء 1، السؤال 2)
Aquinas, T. Summa Theologica, I, Q2, Article 3
=====
تخيل سيناريو بسيط معايا :
أنت في طابور طويل جدا، وكل واحد مش هيشتري غير لما اللي قدامه يشتري.
لو مفيش حد في الطابور بدأ يشتري، هيحصل إيه ؟ الطابور كله هيفضل واقف.
بالظبط كده، لو مفيش سبب أول، مفيش حاجة هتحصل أصلا.
كمان التسلسل اللانهائي مستحيل عمليًا لأنه ما يديش تفسير فعلي يعني تخيل تاني معايا :
لو كل واحد استلف قلم من اللي قبله ومفيش حد أصلا كان معاه قلم، محدش هيكتب
وهنا لازم نوضح نقطة مهمة: الفلاسفة لما بيتكلموا عن سلسلة الأسباب، مش بالضرورة يقصدوا سلسلة زمنية (حدث ورا حدث من أيام زمان). لكنهم بيركزوا أكتر على سلسلة وجودية بتحصل في نفس اللحظة. يعني زي القلم اللي عشان أكتب بيه دلوقتي لازم يكون مستند على الترابيزة، والترابيزة على الأرض، والأرض على أساسات المبنى. لو مفيش أساس، كل ده يقع في نفس اللحظة. فالسؤال هو: إيه اللي شايل الوجود كله دلوقتي ؟
=====================================
(العِلّة الأولى : السبب اللي مالوش سبب)
هنا بقى بنوصل لفكرة العِلّة الأولى.
العِلّة الأولى هي :
شيء موجود بالضرورة، ما وراهوش سبب، لكنه سبب كل الأسباب اللي بعده.
ليه لازم تكون كده ؟
لأن لو كانت هي كمان ليها سبب، مش هتبقى أولى. ولو مش موجودة، يبقى مفيش أي حاجة تانية هتوجد.
الفلاسفة وصفوا العِلّة الأولى بصفات زي :
أزلية (موجودة من غير بداية).
غير قابلة للتغير (لأن اللي بيتغير محتاج حاجة تغيّره).
فوق الزمان والمكان (لأن الزمان نفسه بدأ مع الكون).
وهنا نبدأ نربط بين العِلّة الأولى ومفهوم الله كوجود ضروري، لكن قبل ما نقفز للنقطة دي، لازم نفهم خطوة تانية مهمة جدا : المحرّك الأول الي اتكلمنا عنها فوق.
=====================================
(المحرّك الأول عند أرسطو)
أرسطو لاحظ إن :
كل حاجة في الكون بتتحرك وتتغير.
أي حركة ليها محرّك.
لو هتقول إن فيه سلسلة لا نهائية من المحركات، مش هنوصل لحركة فعلية، لأن البداية هتكون غايبة.
يبقى لازم يكون فيه :
محرّك أول غير متحرك.
يعني إيه (غير متحرك) ؟
يعني مش بيتأثر بحاجة خارجية، لكنه بيحرّك كل حاجة. زي ما المغناطيس بيجذب الحديد من غير ما هو نفسه يتحرك.
أرسطو شاف إن المحرّك الأول ده لازم يكون :
كامل وبسيط مش مركب.
عقل مستقل، بيفكر في ذاته، عشان لو فكر في حاجة ناقصة يبقى ناقص.
مش مادة، لأن المادة بتتغير وبتفسد.
وهو شاف إن الكون كله بيتحرك بدافع الشوق للكمال اللي عند المحرّك الأول. يعني مش إنه “زق” الكون زي واحد بيحرّك حجر، لأ، الكون منجذب له زي ما النبات بينجذب للشمس.
لكن عند أرسطو، المحرّك الأول مش إله شخصي بيسمع الدعاء ويدخل في التاريخ، هو مجرد مبدأ كوني روحي أعلى.
=====================================
(توما الأكويني وتطوير الفكرة للإلهيات)
توما الأكويني في الفلسفة المسيحية خد فكرة أرسطو وطوّرها، وربطها مباشرة بالله.
عمل خمس طرق لإثبات وجود الله، أولهم كانت مبنية على الحركة :
كل حاجة في العالم بتتحرك.
كل حركة محتاجة محرّك.
مينفعش يكون فيه سلسلة لانهائية من المحركات.
يبقى لازم فيه محرّك أول ثابت.
والمحرّك ده هو الله.
==========
و هو بيقول نصا في كتابه الخلاصة اللاهوتية الاتي :
الله هو كائن يتضمن في ذاته مبدأ وجوده. بينما الأشياء الأخرى تحتاج إلى سبب خارجي يبرر وجودها، فإن الله هو السبب الأول، والوجود الذي ليس له سبب خارجي بل هو وجود ذاتي. هذا يعني أن الله ليس له بداية أو مصدر؛ فهو أبدي."
Summa Theologica, Part 1, Question 2, Article 3
إن الله هو الجوهر الوحيد الذي وجوده ليس ماديًا. كل شيء آخر في الكون يعتمد في وجوده على ماديته أو على التغييرات التي تحدث فيه. لكن الله هو جوهر بسيط وغير مادي، مما يجعله مستقلًا تمامًا عن المادة والتغييرات."
إذا كان الله جوهرًا ماديًا، فإنه سيكون عرضة للتغيير والانقسام. ولكن، بما أن الله هو الكمال المطلق، فإنه لا يمكن أن يكون ماديًا. الله هو جوهر غير مادي، بسيط وغير متجزئ. هذا يجعله مختلفًا تمامًا عن أي شيء آخر في الكون."
(Summa Theologica, Part 1, Question 3, Article 7)
ربنا مش مادة او له جوهر مادي و الا هيتيغير لكنه جوهر غير مادي بسيط غير معقد بالرغم من بساطة وجوده و جوهره الا انه غير محدود خلق كون في كامل الدقة و النظام و الكمال و الجمال.
"الله هو الكائن الأبدي، الذي يتجاوز كل قيود الزمن. الزمن هو مقياس للتغيير، ولكن الله لا يتغير ولا يخضع للزمان. الأزلية هي حالة الله المستمرة والدائمة، حيث لا يوجد بداية أو نهاية، ولا يوجد ماضي أو مستقبل. الله يعيش في حاضر دائم."
Summa Theologica, Part 1, Question 10, Article 4
==========
وهنا بنشوف الفرق الكبير: إله أرسطو كان مجرد "عقل" أو "مبدأ فلسفي" أقصى طموحه إنه يفكر في نفسه، والكون بيتحرك تجاهه زي العاشق للمعشوق. لكن إله الأكويني هو "خالق" شخصي، فاعل، وواعي، مش بس سبب في حركة الكون، لكنه سبب وجوده من العدم، ومهتم بتفاصيله.
=====================================
ربط السببية بالعلم الحديث
النهارده، حتى مع تقدم الفيزياء، السؤال الفلسفي لسه قائم.
البيج بانج مثلا : العلم بيقول الكون بدأ من 13.8 مليار سنة من حالة تفرد
singularity.
طيب التفرد ده جه منين ؟ وليه حصل ؟ العلم مش بيجاوب على ليه هو بيجاوب على إزاي
=================
قوانين الفيزياء نفسها : ليه فيه قوانين بدل ما يكون فيه فوضى عشوائية ؟
الفيلسوف بول ديفيز بيقول نصا :
"لماذا الكون قابل للفهم؟ القوانين الرياضية المجردة تسبق الوجود المادي هذا يستدعي عقلًا كامنًا في بنية الكون"
Davies, P. The Divine Mind, Journal of Cosmology, vol. 28
=================
حتى الملحد ستيفن هوكينج قال نصا :
"بسبب الجاذبية، يُخلق الكون من العدم لكن السؤال الحقيقي: لماذا توجد قوانين فيزيائية تسمح بذلك ؟ لو عرفنا الإجابة، سنفكر كعقل الله"
Hawking, S. & Mlodinow, L. The Grand Design, p. 172
مع إنه ما يقصدش الإله الديني، لكنه اعترف إن السؤال النهائي لسه ما اتجاوبش عليه.
"مش بس كده، فيه علماء وفلاسفة تانيين بيتكلموا عن حاجة اسمها "الضبط الدقيق للكون"
(Fine-Tuning).
يعني قوانين الفيزياء والثوابت الكونية (زي سرعة الضوء وقوة الجاذبية) مظبوطة بدقة مستحيلة عشان تسمح بوجود حياة. لو أي رقم من دول اتغير بنسبة بسيطة جدًا، مكنش هيبقى فيه نجوم ولا كواكب ولا بشر. ده بيخلي السؤال أكبر: هل الدقة دي مجرد صدفة، ولا وراها قصد وغاية؟ وده بيرجعنا تاني لفكرة "العِلّة الغائية" بتاعة أرسطو.
و هنا هدي مثال بسيط و هو مثال الساعاتي لويليام بيلي يشرح الضبط الدقيق :
"في عبورنا لحقل، إذا صادفنا حجرًا وسألنا كيف وصل هذا الحجر إلى هنا، قد نجيب بأن الحجر ربما كان هنا منذ الأزل. ولكن إذا صادفنا ساعة على الأرض، ورأينا تعقيدها الداخلي وكيفية توافق أجزائها لعرض الوقت، فلا يمكننا أن نفترض بأن الساعة كانت هنا منذ الأزل. الساعة تشير بوضوح إلى وجود مصمم ذكي قد صنعها لغاية محددة. كل جزء من هذه الساعة، كل عجلة وكل نابض، مصمم بعناية لتعمل معًا لتحقيق غاية معينة، وهي عرض الوقت. إذا كانت الساعة معقدة ومصممة بهذه الدقة، فمن المنطقي أن نفترض أن هناك صانعًا ذكيًا قد صنعها. بالمثل، عندما ننظر إلى الطبيعة ونرى التعقيد والدقة في الكائنات الحية، من الأعضاء المعقدة مثل العين إلى النظم البيولوجية المتكاملة، نجد أن هذه التعقيدات تشير إلى وجود مصمم ذكي. فلا يمكن أن تكون هذه الأنظمة المعقدة قد نشأت بالصدفة. العين، مثلاً، معقدة بشكل لا يصدق بحيث تكون مناسبة تمامًا للرؤية، وتعمل بشكل لا يمكن أن يُفسَّر إلا بوجود مصمم ذكي قد صممها لهذا الغرض."
اللاهوت الطبيعي : أدلة وجود الإله))
=================
بجانب حتى الفراغ الكمي في فيزياء الكم الي موجود في الكون مش عدم حقيقي،بل فيه قوانين مختلفة بتنظمه بدقة يعني مثلا :
التذبذبات الكمية (Quantum Fluctuations)
في ميكانيكا الكم، الفراغ مليان جسيمات افتراضية بتظهر وتختفي في وقت صغير جدا
القوانين اللي بتحكم ده زي مبدأ عدم اليقين لهايزنبرج (Heisenberg Uncertainty Principle) بتقول إنك مش ممكن تعرف طاقة الفراغ بدقة مطلقة، فبيحصل إن طاقة صغيرة بتطلع وتختفي، وتخلق جسيمات بتعيش لحظات قليلة جدا
يعني حتى لو الكون "فاضي"، بيكون فيه :
مجالات كمومية (Quantum Fields)
طاقة فراغ (Vacuum Energy)
جسيمات افتراضية بتتبادل تأثيرات
وده واضح جدا في ظواهر زي :
تأثير كازيمير (Casimir Effect) :
لو جبت لوحين معدنيين قريبين جدًا من بعض في فراغ كامل، هتلاقيهم بيجذبوا بعض من غير أي طاقة أو مجال خارجي!
السبب؟ الفراغ بين اللوحين بيقلل التذبذبات الكمية مقارنة بالفراغ اللي بره، فيحصل فرق ضغط يدفع اللوحين لبعض.
====
إشعاع هوكينج (Hawking Radiation) :
الفراغ حوالين الثقب الأسود بيخلق جسيمات افتراضية، بعضهم يقع في الثقب والبعض يهرب، وده بيخلي الثقب الأسود يشع طاقة.
فالقوانين اللي بتشتغل في الفراغ الكمي زي :
مبدأ عدم اليقين
الديناميكا الكهربائية الكمية (QED)
تفاعلات الحقول الكمية
كلها بتثبت إن "الفراغ" مش عشوائي، لكنه منظّم بقوانين رياضية دقيقة جدًا.
=================
لكن بردو علي مدار التاريخ فيه ناس انتقدت الحجة دي
زي ديفيد هيوم اللي قال نصا :
مبدأ السببية ليس بديهيًا، بل نتاج العادة من تكرار المشاهدات كيف نعمم أن لكل شيء سببًا؟ ربما الكون استثناء! لماذا لا يكون للكون وجود بلا سبب؟"
Hume, D. An Enquiry Concerning Human Understanding, Section IV
=====
و الفيلسوف ايمانويل كانط قال :
"العقل يطرح أسئلة (كأصل الكون) لا يستطيع الإجابة عليها لأن مفاهيم الزمان والمكان والسببية تُطبق على الظواهر فقط، لا على الشيء في ذاته محاولة إثبات وجود الله بالسببية خطأ جوهري، لأنها تتعدى حدود التجربة"
Kant, I. Critique of Pure Reason, A609/B637
============
لكن الرد عليهم :
حتى لو السببية مفهوم بشري، السؤال عن وجود الكون نفسه مش نابع من عادة عقلية، ده منطقي بحت : ما ينفعش حاجة تبدأ من لا شيء بدون أي مبدأ.
حتى لو الكون موجود وخلاص وجوده نفسه محتاج تفسير : ليه فيه حاجة بدل ما مفيش أي حاجة ؟
بالنسبة لهيوم: صح إحنا بنتعلم السببية من التجربة في حياتنا اليومية، لكن السؤال عن "أصل الكون كله" مختلف. ده مش حدث جوه الكون، ده الحدث اللي بدأ الكون. المنطق بيقول إن "اللاشيء" لا يمكن أن ينتج "شيء".
بالنسبة لكانط: كانط بيقول عقلنا ليه حدود وميقدرش يفكر في اللي ورا الطبيعة. لكن السؤال "ليه فيه حاجة بدل مفيش؟" مش سؤال عن تفاصيل ما وراء الطبيعة، ده سؤال منطقي بحت عن أساس الوجود نفسه. لو الوجود كله ممكن ييجي وممكن ميجيش، ليه جه؟ لازم يكون فيه حاجة وجودها "ضروري" مش "ممكن".
=====================================
(طيب ليه ده يهمنا ؟)
في ناس ممكن يقول :
طب ما دي فلسفة نظرية مالهاش فايدة عملية، نركز على حياتنا وخلاص
لكن الحقيقة إن ده أهم سؤال ممكن يواجه الإنسان :
لو كل حاجة حوالينا معتمدة على حاجة تانية، يبقى فيه حقيقة نهائية لازم نعتمد عليها.
لو مفيش، يبقى كل حاجة في الآخر عبث.
الفلسفة دي بتقودك تفكر في وجود الله، مش من منظور عاطفي أو ديني، لكن من منظور عقلي بحت.
===================
حتى الفيلسوف غوتفريد لايبنتز سأل و قال نصا :
"السؤال الأول الذي ينبغي طرحه: لماذا يوجد شيء بدلاً من لا شيء؟ يجب أن يكون هناك كائن ضروري، موجود بذاته، يحمل سبب وجوده في ذاته، وإلا لظل الوجود بلا تفسير. هذا الكائن الضروري هو الله"
Leibniz, G. W. Principles of Nature and Grace, §7-8 )1714(
يعني قال إن الإجابة الوحيدة المنطقية هي وجود كائن ضروري واجب الوجود، وهو الله
===================
اللي نوصل له إن الفلسفة العقلية بتشير لوجود حقيقة أولى، وجود ضروري، ثابت، كامل، فوق المادة والزمان.
ناس هتسمي الحقيقة دي (الله) وناس ممكن تسميها (المطلق أو الكائن الواجب) لكن الفكرة إن لازم يكون فيه شيء أول، غير كده مفيش أي حاجة هتحصل.
وده بيورينا إن حتى لو العلم تقدم، (السؤال عن ليه الكون موجود ؟ وليه القوانين موجودة؟ وليه أنا موجود ؟)
مش هينتهي.
اكتب رأيك في هذه المقالة